العودة للخلف

زكاة الفطر مسائل وأحكام

تاريخ النشر: 11 / 08 / 2025
: 23

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه بعض المسائل المهمة في صدقة الفطر، مرتبة كما يلي:

تسميتها:

وردَ في الأحاديث تسميتها: «زكاة الفطر»، و «صدقة الفطر».

وأضيفت هذه الزكاة إلى الفطر من باب الإضافة إلى السبب الموجِب، لأنها تجب بالفطر من رمضان، قال ابن قتيبة: وقيل لها فطرة؛ لأن الفطرة الخِلْقة قال الله تعالى: ﴿فطرت الله التي فطر الناس عليها﴾ أي: جبلَّته التي جبل الناس عليها، وهذه  الصدقة المقصود بها الصدقة عن البدن والنفس، كما أنَّ الصدقة الأخرى في الأصناف المعلومة:  صدقةٌ عن المال([1]).

حكم صدقة الفطر:

أجمع العلماء لا اختلاف بينهم أنَّ النبي ﷺ أمر بصدقة الفطر، ونُقل القول بوجوبها وفرضيتها إجماعًا!، والصواب أنه قول جماهير أهل العلم، وفيه خلاف شاذ، أو هو ضرب من الشذوذ، والله أعلم([2]).

ودلائل وجوبها كثيرة من السنة.

ومن ذلك حديث ابن عمر ƒ أنَّ النبي ﷺ قال: «فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة»([3]).

وفي رواية: «صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير فعدَل الناس به نصف صاع من بر»([4]).

حكمة مشروعيتها:

شرع الله سبحانه وتعالى صدقة الفطر لحِكَمٍ جليلة وعظيمة، ولما فيها من الفوائد الكثيرة.

فمِن ذلك:

1) أنَّها طهرة للصائم من اللغو والرفث.

قال المازرى رحمه الله: «وكان سبب هذا: أنَّ العبادات التي تطول ويشق التحرُّز فيها من أمور تفوِّتُ كمالها: جعل الشرع فيها كفارة ماليَّة بدل النقص كالهدي في الحج والعمرة، وكذا الفِطرة، لما يكون في الصَّوم من لغوٍ وغيره»([5]).

2) أنها مواساة للفقراء، وفيها إغناء لهم أيام العيد عن الاشتغال بطلب القوت، ليتم لهم كمال مشاركة المسلمين في أفراحهم المباحة يوم العيد، مع ما فيه من إدخال السُّرور على تلك الأسر الفقيرة، والتوسعة عليهم، وفيه من مظاهر التكافل الاجتماعي، وتقوية أواصر الأخوّة ما هو ظاهر بدون تكلُّف.

3) وإخراجها من تمام شكر الله تعالى الذي منَّ بتكميل صيام شهر رمضان، وشكرًا له أيضًا على أن متّع بدوران الحول عليه، ونِعَمُه تتوالى على العباد، أسبغها عليهم ظاهرة وباطنة، ومن أعظمها نعمة الإسلام والإيمان، ونعمة الصيام، والقيام، والقرآن.

قال الله تعالى: ﴿ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون  [البقرة/185].

قال ابنُ كثير رحمه الله: «وقوله: ﴿ولعلكم تشكرون﴾ أي: إذا قمتم بما أمركم الله من طاعته بأداء فرائضه، وترك محارمه، وحفظ حدوده، فلعلَّكم أن تكونوا من الشاكرين بذلك».

وقد أرشد إلى هذه الحِكَم والأسرار الجليلة حديث ابن عباس „ قال: «فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطُعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدَقة من الصدقات»([6])

على مَن تجب؟

دل ظاهر حديث ابن عمر ب السابق أنها تجب على كلِّ مسلم ذكر أو أنثى، حر أو عبد، صغير أو كبير، وبهذا قال عامة أهل العلم([7]).

 من أي شيء تجب؟

دلَّ حديث ابن عمر السابق، وفيه : «صاعا من تمر أو صاعا من شعير فعدل الناس به نصف صاع من بر».

وحديث أبي سعيد ا قال: «كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام أو صاعًا من شعير أو صاعًا من تمر أو صاعًا من أقط أو صاعًا من زبيب»([8])، وفي رواية : «كنا نخرج في عهد رسول الله ﷺ يوم الفطر صاعًا من طعام . قال أبو سعيد: «وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر»([9]).

على أنها تخرج من الأصناف المذكورة، وهي: الشعير، والتمر، والزبيب، والأقط، والبُر.

وهل يتعيَّن أحدها بعينه، أو أحدها على التخيير، أو هي وغيرها من غالب قوت البلد، أو قوت المكلَّف، أو قيمة ذلك بالدراهم، في ذلك خلاف بين أهل العلم.

والأولى الاقتصار على ما نُصّ عليه في الأحاديث، ومنه: صاع من طعام وهو: غالب قوت أهل بلد المكلّف.

كم مقدار الواجب؟.

دلَّ الحديثان على وجوب إخراج صاع عن كلِّ فرد وهو إجماع من أهل العلم في الشعير والتمر.

وإنما اختلفوا في البُر:

- فقال الجمهور: يجب صاع .

- وذهب أبو حنيفة والثوري وجمع من الصَّحابة والتابعين: إلى أنه يجزئ نصف صاع، وأدلة هذا القول قويَّة بالمجموع.

ونُقل عن أبي حنيفة أنه أَلْحَق الزبيب بالبر في إجزاء نصف صاع أيضًا! ولا دليل عليه.

متى تجب صدقة الفطر؟

أفاد حديث ابنُ عباس „ السَّابق في قوله: «فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر» ، وحديث ابن عمر „ في «الصحيحين»: «فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر من رمضان..»،

 أفادا : أنها تجب : بغروب شمس آخر يوم من رمضان، إذ بذلك يحصل الفطر من رمضان.

وينتهي وقتها : بصلاة العيد من يوم الفطر، ولا يجزئ إخراجها بعد ذلك، لقوله ﷺ  في حديث ابن عباس „: «من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات»، وحديث ابن عمر „ وفيه: «أمر رسول الله ﷺ  بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة»([10]).

ويجزئ إخراجها قبل يوم العيد بيوم أو يومين عند مَن يجمعها، أو لمستحقها للحاجة عند طائفة من أهل العلم، لحديث ابن عمر „ وفيه: «وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين»([11]).

لمن تصرف:

دلّ حديث ابن عباس „ المتقدم وفيه: «فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطُعمة للمساكين»: على أنَّ مصرفها فقراء ومساكين المسلمين.

قال ابن القيم رحمه الله: «وكان من هديه ﷺ تخصيص المساكين بهذه الصدقة، ولم يكن يقسمها على الأصناف الثمانية قبضةً قبضةً، ولا أمر بذلك، ولا فعله أحد من أصحابه، ولا مَن بعدهم، بل أحد القولين عندنا: إنه لا يجوز إخراجها إلا على المساكين خاصة، وهذا القول أرجح من القول بوجوب قسمتها على الأصناف الثمانية»([12]).

* في هذا الزمان الذي تشدِّد فيه السُّلطات في كثير من البلدان على موضوع الخروج من المنازل والمنع من التجمّعات فيتعين التنبيه على مزيد من الحرص على إخراج صدقة الفطر وعدم التساهل والتأخير حتى لا يضيق وقتها ويذهب وهو عاجز عن إيصالها إلى مستحقها، ومن الحلول: تجهيزها من وقت مبكِّر إما عنده إن كان المستحق بجواره، أو عند ثقة - ولو في غير بلده - بحيث يوكله أن يُخرجها ليلةَ العيد للمستحِقَ. وكونه يبكِّر بشرائها وتجهيزها عنده في البيت هو أو وكيله لا يضر لأنه إنما يخرجها لمستحقها في وقتها المجزئ، إما ليلة العيد، أو حتى قبل العيد بيوم أو يومين كما سبق ، وورد به الأثر، وحال الناس هذه الأيام حاجة مقتضية لجواز ذلك والتيسير أولى من غيره. والله أعلم.

 

كتبه: أبو محمَّد عبدالله بن لمح الخولاني - مكة المكرمة-  2 شعبان عام 1441 هـ

 



([1])  «المغني» (4/282 ـ 283) لابن قدامة .

([2])  «التمهيد» (7/112 ـ 113/فتح البر) لابن عبد البر .

([3])  أخرجه البخاري (1503)، ومسلم (984).

([4])  البخاري (1511)، ومسلم (984/15).

([5])  «شرح مسلم» (7/58) للنووي.

([6])  أخرجه أبو داود (1609)، وابن ماجة (1827)، والدارقطني (3/61)، والحاكم (1/409)، وهو حديث حسن.

([7])  «المغني» (4/282).

([8])  أخرجه البخاري (1507)، ومسلم (985).

([9])  هذه الرواية أخرجها البخاري (1510).

([10])  أخرجه البخاري (1509)، ومسلم (986).

([11])  أخرجه البخاري (1511).

([12])  «زاد المعاد» (2/22).

تحميل بصيغة PDF
جميع الحقوق محفوظة © موقع الشيخ ابي محمد عبدالله بن لمح الخولاني - 2025
تم نسخ الدعاء بنجاح